فصل: عقاب الله لأبرهة وجنده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 أمر دوس ذي ثعلبان ، و ابتداء ملك الحبشة ، و ذكر أرياط المستولي على اليمن

 فرار دوس ذي ثعلبان من ذي نواس واستنجاده بقيصر

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وأفلت منهم رجل من سبأ ، يقال له ‏‏‏:‏‏‏ دوس ذو ثعلبان ، على فرس له ، فسلك الرمل فأعجزهم ؛ فمضى على وجهه ذلك، حتى أتى قيصر ملك الروم ، فاستنصره على ذي نواس وجنوده ، وأخبره بما بلغ منهم ؛ فقال له ‏‏‏:‏‏‏ بعدت بلادك منا ، ولكن سأكتب لك إلى ملك الحبشة فإنه على هذا الدين ، وهو أقرب إلى بلادك ، وكتب إليه يأمره بنصره والطلب بثأره ‏‏‏.‏‏‏

 النجاشي ينصر دوسا

فقدم دوس على النجاشي بكتاب قيصر ، فبعث معه سبعين ألفا من الحبشة ، وأمر عليهم رجلا منهم يقال له أرياط ، ومعه في جنده أبرهة الأشرم ؛ فركب أرياط البحر حتى نزل بساحل اليمن ، ومعه دوس ذو ثعلبان ‏‏‏.‏‏‏

 نهاية ذي نواس

وسار إليه ذو نواس في حمير ، ومن أطاعه من قبائل اليمن ؛ فلما التقوا انهزم ذو نواس وأصحابه ‏‏‏.‏‏‏ فلما رأى ذو نواس ما نزل به وبقومه وجه فرسه في البحر ، ثم ضربه فدخل به ، فخاض به ضحضاح البحر ، حتى أفضى به إلى غمره ، فأدخله فيه ، وكان آخر العهد به ‏‏‏.‏‏‏ ودخل أرياط اليمن ، فملكها ‏‏‏.‏‏‏

 شعر في دوس و ما كان منه

فقال رجل من أهل اليمن - وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة ‏‏‏:‏‏‏

لا كدوس ولا كأعلاق رحله

فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم ‏‏‏.‏‏‏

 قول ذي جدن الحميري في هذه القصة

وقال ذو جدن الحميري ‏‏‏:‏‏‏

هونكِ ليس يرد الدمع ما فاتا * لا تهلكي أسفا في إثر من ماتا

أبعد بينون لا عين ولا أثر * وبعد سلحين يبني الناس أبياتا

بينون وسلحين وغمدان ‏‏‏:‏‏‏ من حصون اليمن التي هدمها أرياط ‏‏‏.‏‏‏ ولم يكن في الناس مثلها ‏‏‏.‏‏‏

وقال ذو جدن أيضا ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏

دعيني لا أبا لك لن تُطيقي * لحاك الله قد أنزفت ريقي

لدى عزف القيان إذ انتشينا * وإذ نُسقى من الخمر الرحيق

وشرب الخمر ليس علي عارا * إذا لم يشكني فيها رفيقي

فإن الموت لا ينهاه ناه * ولو شرب الشفاء مع النشوق

ولا مترهب في أسطوان * يناطح جُدْره بيض الأنوق

وغمدان الذي حدثت عنه * بنوه مُسَمَّكا في رأس نِيق

ِبمَنْهَمَةٍ وأسفله جرون * وحر الموحل اللثق الزليق ‏‏

مصابيح السليط تلوح فيه * إذا يمسي كتوماض البروق

ونخلته التي غُرست إليه * يكاد البسر يهصر بالعذوق

فأصبح بعد جدته رمادا * وغيرَّ حسنه لهب الحريق

وأسلم ذو نواس مستكينا * وحذر قومه ضنك المضيق

قول ربيعة ابن الذئبة الثقفي في هذه القصة

وقال عبدالله ابن الذئبة الثقفي في ذلك ‏‏‏.‏‏‏ قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏الذئبة أمه ، واسمه ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي‏‏‏:‏‏‏

لعمرك ما للفتى من مفر * مع الموت يلحقه والكبرْ

لعمرك ما للفتى صُحرة * لعمرك ما إنْ له من وزرْ

أبعد قبائل من حمير * أُبيدوا صباحا بذات العبر

بألفِ ألوفٍ وحُرَّابة * كمثل السماء قبيل المطر

يُصم صياحهم المقربات * وينفون من قاتلوا بالذفر

سَعَاِليَ مثل عديد الترا ب * تيبس منهم رطاب الشجر

قول عمرو بن معدي كرب الزبيدي في هذه القصة

وقال عمرو بن معدي كرب الزبيدي في شيء كان بينه وبين قيس بن مكشوح المرادي ، فبلغه أنه يتوعده ، فقال يذكر حمير وعزها ، وما زال من ملكها عنها ‏‏‏:‏‏‏

أتوعدني كأنك ذو رعين * بأفضل عيشة ، أو ذو نُواسِ

وكائن كان قبلك من نعيم * وملك ثابت في الناس راسي

قديم عهده من عهد عاد * عظيم قاهر الجبروت قاسي

فأمسى أهله بادوا وأمسى * يحول من أناس في أناس

 نسب زبيد ومراد

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏زبيد بن سلمة بن مازن بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة بن مذحج ، ويقال ‏‏‏:‏‏‏ زبيد بن منبه بن صعب بن سعد العشيرة ، ويقال ‏‏‏:‏‏‏ زبيد بن صعب بن سعد ‏‏‏.‏‏‏ ومراد ‏‏‏:‏‏‏ يحابر بن مذحج ‏‏‏.‏‏‏

لماذا قال عمرو بن معدي كرب هذا الشعر ‏‏‏؟‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏وحدثني أبو عبيدة ، قال ‏‏‏:‏‏‏

كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي ، و باهلةبن يعصر بن سعد بن قيس بن عيلان ، وهو بأرمينية يأمره أن يفضل أصحاب الخيل العراب على أصحاب الخيل المقارف في العطاء ؛ فعرض الخيل ، فمر به فرس عمرو بن معدي كرب ؛ فقال له سلمان ‏‏‏:‏‏‏ فرسك هذا مقرف ؛ فغضب عمرو ، وقال ‏‏‏:‏‏‏ هجين عرف هجينا مثله ؛ فوثب إليه قيس فتوعده ؛ فقال عمرو هذه الأبيات ‏‏‏.‏‏‏

 تصديق قول شق وسطيح

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏فهذا الذي عنى سطيح الكاهن بقوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ليهبطن أرضكم الحبش ، فليملكن ما بين أبين إلى جرش ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ والذي عنى شق الكاهن بقوله‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ لينزلن أرضكم السودان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، و ليملكن ما بين أبين إلى نجران ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏

غلب أبرهة الأشرم على أمر اليمن ، و قتل أرياط

 ما كان بين أرياط و أبرهة

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فأقام أرياط بأرض اليمن سنين في سلطانه ذلك ، ثم نازعه في أمر الحبشة باليمن أبرهة الحبشي - و كان في جنده - حتى تفرقت الحبشة عليهما ‏‏‏.‏‏‏

فانحاز إلى كل واحد منهما طائفة منهم ، ثم سار أحدهما إلى الآخر ، فلما تقارب الناس أرسل أبرهة إلى أرياط ‏‏‏:‏‏‏ إنك لا تصنع بأن تلقى الحبشة بعضها ببعض حتى تفنيها شيئا فابرز إلي وأبرز إليك ، فأينا أصاب صاحبه انصرف إليه جنده ‏‏‏.‏‏‏

فأرسل إليه أرياط ‏‏‏:‏‏‏ أنصفت فخرج إليه أبرهة ، وكان رجلا قصيرا لحيما حادرا وكان ذا دين في النصرانية ؛ وخرج إليه أرياط ، وكان رجلا جميلا عظيما طويلا ، وفي يده حربة له ‏‏‏.‏‏‏ وخلف أبرهة غلام له ، يقال له عتودة، يمنع ظهره ‏‏‏.‏‏‏ فرفع أرياط الحربة فضرب أبرهة ، يريد يافوخه ، فوقعت الحربة على جبهة أبرهة فشرمت حاجبه وأنفه وعينه وشفته ، فبذلك سمي أبرهة الأشرم ، وحمل عتودة على أرياط من خلف أبرهة فقتله ، وانصرف جند أرياط إلى أبرهة ، فاجتمعت عليه الحبشة باليمن ، و وَدَى أبرهة أرياط ‏‏‏.‏‏‏

غضب النجاشي على أبرهة لقتله أرياط ثم رضاؤه عنه

فلما بلغ النجاشي غضب غضبا شديدا وقال ‏‏‏:‏‏‏ عدا على أميري فقتله بغير أمري ، ثم حلف لا يدع أبرهة حتى يطأ بلاده ، ويجز ناصيته ‏‏‏.‏‏‏ فحلق أبرهة رأسه وملأ جرأبا من تراب اليمن ، ثم بعث به إلى النجاشي ، ثم كتب إليه ‏‏‏:‏‏‏

أيها الملك ‏‏‏:‏‏‏ إنما كان أرياط عبدك ، وأنا عبدك ، فاختلفنا في أمرك ،‏‏ وكلٌّ طاعته لك ، إلا أني كنت أقوى على أمر الحبشة وأضبط لها وأسوس منه ؛ وقد حلقت رأسي كله حين بلغني قسم الملك ، وبعثت إليه بجراب تراب من أرضي ، ليضعه تحت قدميه ، فيبر قسمه فيّ ‏‏‏.‏‏‏

فلما انتهى ذلك إلى النجاشي رضي عنه ، وكتب إليه ‏‏‏:‏‏‏ أنِ اثبت بأرض اليمن حتى يأتيك أمري ‏‏‏.‏‏‏ فأقام أبرهة باليمن ‏‏‏.‏‏‏

 أمر الفيل ، و قصة النسأة

 بناء القليس أو كنيسة أبرهة

ثم إن أبرهة بنى القُلَّيْس بصنعاء ، فبنى كنيسة لم ير مثلها في زمانها بشيء من الأرض ، ثم كتب إلى النجاشي ‏‏‏:‏‏‏ إني قد بنيت لك أيها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب، فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي ، غضب رجل من النسأة ، أحد بني فُقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر ‏‏‏.‏‏‏ ‏‏

 

معنى النسأة

والنسأة ‏‏‏:‏‏‏ الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية ، فيحلون الشهر من الأشهر الحرم ، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، ويؤخرون ذلك الشهر ففيه أنزل الله تبارك وتعالى ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏

المواطأة لغة

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ليواطئوا ‏‏‏:‏‏‏ ليوافقوا ‏‏‏:‏‏‏ والمواطأة ‏‏‏:‏‏‏ الموافقة ، تقول العرب ‏‏‏:‏‏‏ واطأتك على هذا الأمر ، أي وافقتك عليه ‏‏‏.‏‏‏ والإيطاء في الشعر الموافقة ، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد ، وجنس واحد ، نحو قول العجَّاج - واسم العجاج عبدالله بن رؤبة أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار - ‏‏‏:‏‏‏

في أُثعبان المَنْجَنونَ المرسلِ *

ثم قال ‏‏‏:‏‏‏

مد الخليج في الخليج المرسل

وهذان البيتان في أرجوزة له ‏‏‏.‏‏‏

 

أول من ابتدع النسيء

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وكان أول من نسأ الشهور علىالعرب ، فأحلت منها ما أحل ، وحرمت منها ما حرم القَلَمَّس ، وهو حذيفة بن عبد بن فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة ‏‏‏.‏‏‏

ثم قام بعده على ذلك ابنه عباد بن حذيفة ، ثم قام بعد عباد ‏‏‏:‏‏‏ قلع بن عباد ، ثم قام بعد قلع ‏‏‏:‏‏‏ أمية بن قلع ، ثم قام بعد أمية ‏‏‏:‏‏‏ عوف بن أمية ، ثم قام بعد عوف أبو ثمامة جنادة بن عوف ، وكان آخرهم ، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه ، فحرم الأشهر الحرم الأربعة ‏‏‏:‏‏‏ رجبا ، وذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرم ‏‏‏.‏‏‏

فإذا أراد أن يحل منها شيئا أحل المحرم فأحلوه ، وحرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحرم ‏‏‏.‏‏‏ فإذا أرادوا الصدر قام فيهم فقال ‏‏‏:‏‏‏ اللهم إني قد أحللت لك أحد الصفرين ، الصفر الأول ، ونسأت الآخر للعام المقبل ، فقال في ذلك عمير بن قيس جذل الطعان أحد بني فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، يفخر بالنسأة على العرب ‏‏‏:‏‏‏

‏‏ لقد علمت معد أن قومي * كرام الناس أن لهم كراما

فأي الناس فاتونا بوتر * وأي الناس لم نعلك لجاما

ألسنا الناسئين على معد * شهور الحل نجعلها حراما ‏‏‏؟‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أول الأشهر الحرم المحرم ‏‏‏.‏‏‏

الكناني يحدث في القليس ، و حملة أبرهة على الكعبة

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فخرج الكناني حتى أتى القليس فقعد فيها - قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏يعني أحدث فيها - قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم خرج فلحق بأرضه ، فأخبر بذلك أبرهة فقال ‏‏‏:‏‏‏ من صنع هذا ‏‏‏؟‏‏‏ فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العرب إليه بمكة لما سمع قولك ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ أصرف إليها حج العرب ‏‏‏)‏‏‏ غضب فجاء فقعد فيها ، أي أنها ليست لذلك بأهل ‏‏‏.‏‏‏

 خروج أبرهة لهدم الكعبة

فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه ، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت ، ثم سار وخرج معه بالفيل ؛ وسمعت بذلك العرب ، فأعظموه وفظعوا به ، ورأوا جهاده حقا عليهم ، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة ، بيت الله الحرام ‏‏‏.‏‏‏

 أشراف اليمن يدافعون عن البيت

فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ‏‏‏:‏‏‏ ذو نفر ، فدعا قومه ، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة ، وجهاده عن بيت الله الحرام ، وما يريد من هدمه وإخرابه ؛ فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهزم ذو نفر وأصحابه ، وأخذ له ذو نفر فأتي به أسيرا ، فلما أراد قتله قال له ذو نفر ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي ؛ فتركه من القتل وحبسه عنده في وثاق ، وكان أبرهة رجلا حليما ‏‏‏.‏‏‏

 خثعم تجاهد أبرهة

ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له ، حتى إذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قَبِيْلَيْ خثعم ‏‏‏:‏‏‏ شهران وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب ، فقاتله فهزمه أبرهة ، وأخذ له نفيل أسيرا ، فأتي به ، فلما هم بقتله قال له نفيل ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلَيْ خثعم ‏‏‏:‏‏‏ شهران وناهس بالسمع والطاعة ، فخلى سبيله ‏‏‏.‏‏‏

 ابن معتب و أبرهة

وخرج به معه يدله ، حتى إذا مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب ابن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف في رجال ثقيف ‏‏‏.‏‏‏

 نسب ثقيف و شعر ابن الصلت في ذلك

واسم ثقيف ‏‏‏:‏‏‏ قسي بن النبيت بن منبه بن منصور‏‏ بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان ‏‏‏.‏‏‏

قال أمية بن أبي الصلت الثقفي ‏‏‏:‏‏‏

قومي إياد لو أنهم أمم * أو لو أقاموا فتهزل النعم

قوم لهم ساحة العراق إذا * ساروا جميعا والقط والقلم

وقال أمية بن أبي الصلت أيضا ‏‏‏:‏‏‏

فإما تسألي عني لُبينى * وعن نسبي أخبرك اليقينا

فإنا للنبيت أبي قسي * لمنصور بن يقدم الأقدمينا

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ثقيف ‏‏‏:‏‏‏ قسي بن منبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ‏‏‏.‏‏‏ والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية ‏‏‏.‏‏‏

 ثقيف تهادن أبرهة

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فقالوا له ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون ، ليس عندنا لك خلاف ، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة ، ونحن نبعث معك من يدلك عليه ، فتجاوز عنهم ‏‏‏.‏‏‏

 اللات

واللات ‏‏‏:‏‏‏ بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفهري ‏‏‏:‏‏‏

وفرت ثقيف إلى لاتها * بمنقلب الخائب الخاسر

وهذا البيت في أبيات له ‏‏‏.‏‏‏

 أبو رغال ورجم قبره

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فبعثوا معه أبا رغال يدله على الطريق إلى مكة ، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس ؛ فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك ، فرجمت قبره العرب ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمس ‏‏‏.‏‏‏

 الأسود بن مقصود يهاجم مكة

فلما نزل أبرهة المغمس ، بعث رجلا من الحبشة يقال له ‏‏‏:‏‏‏ الأسود بن مقصود على خيل له ، حتى انتهى إلى مكة ، فساق إليه أموال تهامة من قريش وغيرهم ، وأصاب فيها مائتي بعير لعبدالمطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمت قريش وكنانة وهذيل ، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله ، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به ، فتركوا ذلك ‏‏‏.‏‏‏

 رسول أبرهة إلى مكة

وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة ، وقال له ‏‏‏:‏‏‏ سل عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قال له ‏‏‏:‏‏‏ إن الملك يقول لك ‏‏‏:‏‏‏ إني لم آت لحربكم ، إنما جئت لهدم هذا البيت ، فإن لم تعرضوا دونه بحرب ، فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن هو لم يرد حربي فأتني به ‏‏‏.‏‏‏

فلما دخل حناطة مكة ، سأل عن سيد قريش وشريفها ، فقيل له ‏‏‏:‏‏‏ عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ؛ فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة ؛ فقال له عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام ، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام - أو كما قال - فإنْ يمنعه منه فهو بيته وحرمه ، وإن يخل بينه وبينه ، فوالله ما عندنا دفع عنه ؛ فقال له حناطة ‏‏‏:‏‏‏ فانطلق معي إليه ، فإنه قد أمرني أن آتيه بك ‏‏‏.‏‏‏

 أنيس يشفع لعبدالمطلب

فانطلق معه عبدالمطلب ، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر ، فسأل عن ذي نفر ، وكان له صديقا ، حتى دخل عليه وهو في محبسه ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ يا ذا نفر هل عندك من غناء فيما نزل بنا ‏‏‏؟‏‏‏ فقال له ذو نفر ‏‏‏:‏‏‏ وما غناء رجل أسير بِيدَيْ ملك ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندنا غناء في شيء مما نزل بك إلا أنّ أُنيسا سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما بدا لك و يشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ حسبي ‏‏‏.‏‏‏

فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ إن عبدالمطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ؛ فقال ‏‏‏:‏‏‏ أفعل ‏‏‏.‏‏‏

فكلم أنيس أبرهة ، فقال له ‏‏‏:‏‏‏ أيها الملك ، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو صاحب عير مكة ، وهو يطعم الناس في السهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، فأذن له عليك ، فيكلمك في حاجته ، و أحسن إليه ، قال ‏‏‏:‏‏‏ فأذن له أبرهة ‏‏‏.‏‏‏

 الإبل لي والبيت له رب يحميه

قال ‏‏‏:‏‏‏ وكان عبدالمطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم ، فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه ، وأجلسه معه عليه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه ‏‏‏:‏‏‏ قل له ‏‏‏:‏‏‏ حاجتك ‏‏‏؟‏‏‏ فقال له ذلك الترجمان ؛فقال ‏‏‏:‏‏‏ حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي ؛ فلما قال له ذلك ، قال أبرهة لترجمانه ‏‏‏:‏‏‏ قل له ‏‏‏:‏‏‏ قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ‏‏‏!‏‏‏ قال له عبدالمطلب ‏‏‏:‏‏‏ إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ ما كان ليمتنع مني ؛ قال ‏‏‏:‏‏‏ أنت وذاك ‏‏‏.‏‏‏

 الوفد المرافق لعبدالمطلب

وكان فيما يزعم بعض أهل العلم ، قد ذهب مع عبدالمطلب إلى أبرهة ، حين بعث إليه حناطة ، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الدئل بن بكر بن مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد بني بكر ، وخويلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل ؛ فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة ، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت فأبى عليهم ‏‏‏.‏‏‏ والله أعلم أكان ذلك أم لا ‏‏‏.‏‏‏ فرد أبرهة على عبدالمطلب الإبل التي أصاب له ‏‏‏.‏‏‏

 قريش تستنصر الله على أبرهة

فلما انصرفوا عنه ، انصرف عبدالمطلب إلى قريش ، فأخبرهم الخبر ، وأمرهم بالخروج من مكة ، والتحرز في شعف الجبال والشعاب ‏‏‏:‏‏‏ تخوفا عليهم من معرة الجيش ، ثم قام عبدالمطلب ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ، ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبدالمطلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة ‏‏‏:‏‏‏

لاهُمَّ إن العبد يمنع * رحله فامنع حلالكْ

لا يغلبنّ صليبهم * ومحالهم غدوا محالك

زاد الواقدي ‏‏‏:‏‏‏

إن كنت تاركهم وقبلـ*ـتنا فأمر ما بدا لكْ

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ هذا ما صح له منها ‏‏‏.‏‏‏

شعر عكرمة بن عامر يدعو على الأسود بن مقصود

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ‏‏‏:‏‏‏

لاهُمَّ أخز الأسود بن مقصود * الآخذ الهجمة فيها التقليدْ

بين حراء وثبير فالبيد * يحبسها وهي أولات التطريد

فضمها إلى طماطم سود * أخفره يا رب وأنت محمود ‏‏

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏هذا ما صح له منها ؛ والطماطم ‏‏‏:‏‏‏ الأعلاج ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ ثم أرسل عبدالمطلب حلقة باب الكعبة ، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال فتحرزوا فيها ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها ‏‏‏.‏‏‏

 أبرهة يهاجم الكعبة

فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة ، وهيأ فيله وعبىَّ جيشه ، وكان اسم الفيل محمودا ؛ وأبرهة مجمع لهدم البيت ، ثم الانصراف إلى اليمن ‏‏‏.‏‏‏ فلما وجهوا الفيل إلى مكة ، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي حتى قام إلى جنب الفيل ، ثم أخذه بأذنه ، فقال ‏‏‏:‏‏‏ ابرك محمود ، أو ارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام ، ثم أرسل أذنه ‏‏‏.‏‏‏

فبرك الفيل ، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل ، وضربوا الفيل ليقوم فأبى ‏‏‏.‏‏‏ فضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى ، فأدخلوا محاجن لهم في مراقِّه فبزغوه بها ليقوم فأبى ، ‏‏ فوجهوه راجعا إلى اليمن ، فقام يهرول ، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ، ووجهوه إلى مكة فبرك ‏‏‏.‏‏‏

 

عقاب الله لأبرهة وجنده

فأرسل الله تعالى عليهم طيرا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان ، مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها ‏‏‏:‏‏‏ حجر في منقاره ، وحجران في رجليه ، أمثال الحمص والعدس ،لا تصيب منهم أحدا إلا هلك ، وليس كلهم أصابت ‏‏‏.‏‏‏وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل بن حبيب ليدلهم على الطريق إلى اليمن ، فقال نفيل حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته ‏‏‏:‏‏‏

أين المفر والإله الطالب * والأشرم المغلوب ليس الغالب

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ قوله ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ليس الغالب ‏‏‏)‏‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ وقال نفيل أيضا ‏‏‏:‏‏‏

ألا حييت عنا يا ردينا * نعمناكم مع الإصباح عينا

أتانا قابس منكم عشاء فلم يقدر لقابسكم لدينا

ردينة لو رأيت - ولا تريه * لدى جنب المحصب ما رأينا

إذا لعذرتني وحمدت أمري * ولم تأسي على ما فات بينا‏‏

حمدت الله إذ أبصرت طيرا * وخفت حجارة تُلقى علينا

و كل القوم يسأل عن نفيل * كأن علي للحبشان دينا

فخرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون بكل مهلك على كل منهل ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم تسقط أنامله أُنمْلة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها منه مدة تمثُّ قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ، فيما يزعمون ‏‏‏.‏‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني يعقوب بن عتبة أنه حُدث ‏‏‏:‏‏‏ أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام ، وأنه أول ما رؤي بها مرائر الشجر الحرمل والحنظل والعُشر ذلك العام ‏‏‏.‏‏‏

 الله جل جلاله يذكر حادثة الفيل ويمتن على قريش

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ فلما بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، كان مما يعد الله على قريش من نعمته عليهم وفضله ، ما رد عنهم من أمر الحبشة لبقاء أمرهم ومدتهم ، فقال الله تبارك وتعالى ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ‏‏‏.‏‏‏ ألم يجعل كيدهم في تضليل ‏‏‏.‏‏‏ و أرسل عليهم طيرا أبابيل ‏‏‏.‏‏‏ ترميهم بحجارة من سجيل ‏‏‏.‏‏‏ فجعلهم كعصف مأكول ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ وقال ‏‏‏:‏‏‏ ‏‏‏(‏‏‏ لإيلاف قريش ‏‏‏.‏‏‏ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ‏‏‏.‏‏‏ فليعبدوا رب هذا ‏‏ ‏"‏ البيت ‏‏‏.‏‏‏ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ‏‏‏)‏‏‏ ‏‏‏.‏‏‏ أي لئلا يغير شيئا من حالهم التي كانوا عليها ، لما أراد الله بهم من الخير لو قبلوه ‏‏‏.‏‏‏

 تفسير مفردات سورتي الفيل وقريش

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ الأبابيل ‏‏‏:‏‏‏ الجماعات ، ولم تتكلم لها العرب بواحد علمناه ‏‏‏.‏‏‏ وأما السجيل ‏‏‏:‏‏‏ فأخبرني يونس النحوي وأبو عبيدة أنه عند العرب ‏‏‏:‏‏‏ الشديد الصلب ‏‏‏.‏‏‏

قال رؤبة بن العجاج ‏‏‏:‏‏‏

ومسهم ما مس أصحاب الفيلْ * ترميهم حجارة من سجيلْ

و لعبت طير بهم أبابيلْ *

وهذه الأبيات في أرجوزة له ‏‏‏.‏‏‏

ذكر بعض المفسرين أنهما كلمتان بالفارسية ، جعلتهما العرب كلمة واحدة ، وإنما هو سَنْج و جِلّ ، يعني بالسنج ‏‏‏:‏‏‏ الحجر ؛ وبالجل ‏‏‏:‏‏‏ الطين ‏‏‏.‏‏‏ يعني ‏‏‏:‏‏‏ الحجارة من هذين الجنسين ‏‏‏:‏‏‏ الحجر والطين ‏‏‏.‏‏‏ والعصف ‏‏‏:‏‏‏ ورق الزرع الذي لم يقصب ، وواحدته عصفة ‏‏‏.‏‏‏ قال ‏‏‏:‏‏‏ وأخبرني أبو عبيدة النحوي أنه يقال له ‏‏‏:‏‏‏ العصافة والعصيفة ‏‏‏.‏‏‏

وأنشدني لعلقمة بن عبدة أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ‏‏‏:‏‏‏

تسقي مذانب قد مالت عصيفتها * حدورها من أتيّ الماء مطموم

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ وقال الراجز ‏‏‏:‏‏‏

فصُيرِّوا مثل كعصف مأكول

قال ابن هشام ‏‏‏:‏‏‏ ولهذا البيت تفسير في النحو ‏‏‏.‏‏‏

وإيلاف قريش ‏‏‏:‏‏‏ إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان ‏‏‏:‏‏‏ خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف ‏‏‏.‏‏‏ أخبرني أبو زيد الأنصاري ، أن العرب تقول ‏‏‏:‏‏‏ ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد ‏‏‏.‏‏‏ وأنشدني لذي الرمة ‏‏‏:‏‏‏

من المؤلفات الرمل أدماء حرة * شعاع الضحى في لونها يتوضح

وهذ البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ وقال مطرود بن كعب الخزاعي ‏‏‏:‏‏‏

المنعمين إذا النجوم تغيرت * والظاعنين لرحلة الإيلاف

وهذا البيت في أبيات له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن يكون للإنسان ألف من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، أو غير ذلك ‏‏‏.‏‏‏ يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلف فلان إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ قال الكميت بن زيد ، أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ‏‏‏:‏‏‏

بعام يقول له المؤلفو ن هذا المعيم لنا المرجل

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن يصير القوم ألفا ، يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلف القوم إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ قال الكميت بن زيد ،أحد بني أسد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ‏‏‏:‏‏‏

وآل مزيقياء غداة لاقوا * بني سعد بن ضبة مؤلفينا

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن تؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه و يلزمه ؛ يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلفته إياه إيلافا ‏‏‏.‏‏‏ والإيلاف أيضا ‏‏‏:‏‏‏ أن تصيرِّ ما دون الألف ألفا ، يقال ‏‏‏:‏‏‏ آلفته إيلافا ‏‏‏.‏‏‏

 

مصير قائد الفيل وسائسه

قال ابن إسحاق ‏‏‏:‏‏‏ حدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، بن سعد بن زرارة ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ‏‏‏:‏‏‏ لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان الناس ‏‏‏.‏‏‏